Powered By Blogger

الأربعاء، 18 يوليو 2012

حرص على استمرار شراء الولاءات وصمت على جوع نصف السكان


أحمد الزكري *

أصبح اليمن، كما بات معروفاً، على شفير أزمة غذاء كارثية، إذ لا يجد نحو 10 ملايين يمني (44 في المئة من السكان) كفايتهم من الطعام. وهذه خلاصة أعاد تكرارها التقرير الذي أطلقته سبع منظمات إغاثة دولية كبرى هي: الهيئة الطبية الدولية، الإغاثة الإسلامية، كير، ميرلين، ميرسي كور، أوكسفام، وهيئة إنقاذ الطفولة، شاركت في "مؤتمر أصدقاء اليمن" الذي نُظِّم في شهر أيار/مايو الفائت في العاصمة السعودية الرياض. أستعاد التقرير اشارات كانت سجلتها الأمم المتحدة في بعض مناطق البلاد من أن معدلات سوء التغذية بلغت مستويات مروعة، اذ يعاني ثلث الاطفال من سوء التغذية الحاد.

كل ذلك لا يهم!! ما زال ممثلو بقايا النظام الذي انطلقت ضده ثورة شعبية، يعملون على استمرار ممارسات رسمية تزيد من الإفقار والفساد، منها مطالباتهم باعتماد 13 مليار ريال من موازنة الدولة لبعض المشايخ، وهو ما كان سائداً، حين كان نظام علي عبد الله صالح يمنح مرتبات بمسمى "إعاشة" لبعض المشايخ. وقد وضعت اللجنة الخاصة بدراسة موازنة الدولة للعام 2012 توصية للحكومة بإعادتها.
تخترق الحكومة اليمنية معارك كثيرة تخاض داخلها. إذ ما يزال حزب الرئيس المخلوع، "المؤتمر الشعبي العام" مشاركا بنصف المقاعد الوزارية في "حكومة الوفاق الوطني" التي أخذ نصف مقاعدها الآخر، مع رئاستها، تكتل "أحزاب اللقاء المشترك" الذي يضم أحزابا اشتراكية وقومية وإسلامية. ويصر ممثلو "المؤتمر الشعبي العام" في البرلمان على صرف هذه الاعتمادات، ويحاولون ارخاء الصمت عن اختلالات أخرى، منها عدم وضوح موازنة جهاز الأمن القومي. فهذا الجهاز يطلب قرابة 4 مليار ريال كموازنة دون أن يقدم أية بيانات، ودون أن تعرف وزارة المالية وجهة صرف هذه المبالغ، بحجة "السرية".
يقول البيان المالي لمشاريع الموازنات العامة للسنة المالية 2012 المقدم من وزارة المالية إلى البرلمان، إن نسبة البطالة الصريحة سترتفع بين 36% و40% من إجمالي قوة العمل، بعد أن كانت 18.6% حسب مسح الصندوق الاجتماعي عام 2010. وفي حين يعيش نصف سكان اليمن في فقر مدقع، كانت حكومة النظام السابق تدفع ضمانا اجتماعيا لمليون من المعدمين. ولكن المبالغ المصروفة لهم كانت ضحلة، تتراوح بين ألفي ريال (تسعة دولارات) وأربعة آلاف (18 دولارا) شهريا. وتنتظر 400 ألف حالة دعما إضافيا، في الوقت الذي تصل فيه اعتمادات المشايخ إلى مئات الآلاف حسب النائب محمد الحميري من حزب الاصلاح.
ومن مظاهر الاختلال في سياسة الدولة عبر موازنتها، صرف مائتي مليون ريال لبناء مسجد في "جامعة الايمان" الخاصة التي تتبع عبد المجيد الزنداني، أحد علماء الدين. وهي جامعة كثيراً ما جرى تناولها بوصفها تخرِّج "متطرفين دينيين". فقد كشفت وثيقة حكومية صادرة عن وزارة المالية عن اعتماد هذا المبلغ بواقع %20 من قيمة عقد مشروع المرحلة الأولى لجامع "جامعة الإيمان". وأصدرت وزارة المالية بياناً أوضحت فيه أنها صرفت المبلغ المخصص "بناء على مذكّرة من وزارة الأشغال وضمن موازنة السنة المالية 2011، كسداد متأخرات لشركة "الحداء للمقاولات" منفذة بناء المسجد بناء على اعتماد من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إثر زيارته لجامعة الإيمان قبيل الانتخابات الرئاسية 2006.
مثل هذه العطايا كانت تصب في شراء الولاءات أو منح المكافآت مقابل الولاء. وهي سياسة كانت معتمدة بتوسع من قبل الرئيس المخلوع لداعمي حكمه، ومنهم عبدالمجيد الزنداني، أحد ابرز حلفائه الذين شدوا أزره بفتاوى دينية في محطات عديدة، منها حربه عام 1994 ضد شريكه في تحقيق الوحدة اليمنية، "الحزب الاشتراكي اليمني" الذي حكم ما كان يعرف ب"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" في جنوب اليمن قبل الوحدة اليمنية التي تحققت عام 1990. وهناك 61 مليار ريال مقابل أغذية وملبوسات للقوات المسلحة يتم شراؤها عن طريق الأمر المباشر، دون مناقصة، "وهذه مخالفة للدستور والقانون تحت مبرر السرية" كما يقول النائب نفسه.
ربطت موافقة البرلمان على موازنة الدولة للعام 2012 بتوصية برلمانية للحكومة باعتماد تلك المليارات مرتبات للمشايخ الذين لعبوا دورا كبيرا في تخلف البلد وانتهاك حقوق المواطنين، كما تشير إلى ذلك سجلات حقوق الإنسان. لكن رئيس مجلس الوزراء، محمد سالم باسندوة، أعلن "أن المبلغ المالي المقدر بـ13 مليار ريال التي كان يدفعها النظام السابق لشراء الذمم أو كسب الولاء... غير معتمدة". وخاطب باسندوة الآلاف من شباب الثورة في ساحة الحرية في محافظة تعز قائلا" هذه المبالغ لن تدفع، لن تدفع!"، الأمر الذي جعله محل سخط من قبل مشايخ، وصل بهم الامر حد التشكيك بيمنيته، كما بدا من تصريح لشخصية متضررة نشرتها وسائل إعلام تابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام أو موالية له: "على باسندوة أن يهتم بالشؤون الصومالية". والخلاصة انه صراع ما زال في بدايته، بين نمطين في النظر الى اليمن وهمومها، فأما وطن أو مزرعة.

 السفير العربي


الخميس، 12 يوليو 2012

الرئيس هادي والحكم"الصالح"


أحمد الزكري
بدا واضحا من خلال خطوات رسمية أن رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي يفضل تسمية الحكم"الصالح"، ويتحاشى قدر الإمكان تسمية الحكم الرشيد.
ويمكن الاستشهاد بأحدث خطوة له في هذا الجانب من خلال رسالته إلى مجلسي النواب والشورى بشأن رؤيته للتمديد لأعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وقد سبق ذلك التعيينات في وزارتي التخطيط والداخلية التي نتج عنها موقف قوي للحزب الاشتراكي اليمني باعتباره أحد أبرز شركاء التسوية السياسية القائمة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المدعومة بالقرار الأممي رقم 2014 وما تلاه من خطوات أممية.
في رسالته إلى النواب والشورى برر رئيس الجمهورية رؤيته للتمديد لقيادة هيئة مكافحة الفساد بانغماس سلطات الدولة بتنفيذ الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ، قائلا حسب وكالة سبأ إن "التركيز على تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية قد أملى استمرارية بعض الهيئات الرقابية التي تقوم على مبدأ الانتخابات لأي تداعيات لا تساعد عليها الظروف الاستثنائية".
وحين نقرأ في الآلية التنفيذية نجد فيها دعوة إلى "الإلتزام الفوري بمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان".
وحسب علمي فإن أبرز معايير الحكم الرشيد حسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة " UNDP " تتضمن سيادة القانون والمساءلة، ثم حسن الاستجابة التي تعني قدرة السلطات الحاكمة على استقراء حاجات المواطنين وأولوياتهم في مختلف نواحي الحياة والعمل علي تلبيتها، يلي ذلك من المعايير الشفافية ومحاربة الفساد، إضافة إلى المشاركة التي تعني الإسهام الفعلي للمواطنين في صنع السياسات واتخاذ القرارات المتعلقة بالصالح العام.
ولايبدو من وجهة نظري أن رؤية رئيس الجمهورية تتضمن أي معيار من هذه المعايير خاصة وأنها تتجاوز نصا قانونيا في قانون مكافحة الفساد الذي حدد فترة العضوية في هيئة مكافحة الفساد بفترة واحدة مدتها خمس سنوات"فقط".
وبما أن الحكم الرشيد يطلق عليه الحكم الصالح والحكم الجيد أيضا، فإن الرئيس هادي استأنس على مايبدو كثيرا بتسمية الحكم "الصالح"، للاقتراب من معايير سلفه الذي أطاحت به ثورة شعبية نتج عنها انتحاب رئيس توافقي.
ويبدو هذا الاستئناس إضافة إلى ما سبق بتخطي خطوات تقوم بها مؤسسات أخرى، كما بدا الحال هنا بتخطي الإجراءات التي نفذها مجلس الشورى بشأن الإعلان عن انتهاء فترة هيئة مكافحة الفساد والدعوة لاستقبال طلبات الترشح للعضوية الجديدة، بعد إعلان مماثل من وزارة الشئون القانونية.
وكان يمكن للرئيس هادي ألا يترك الشورى منشغلا كل ذلك الوقت باستقبال ملفات وفحصها والاجتهاد من أجل الوصول إلى نتيجة ما، ما دام يرى التمديد للقيادة المنتهية فترتها، لكنها معايير الحكم الرشيد أقصد الصالح هي التي أرهقت الشورى وفاجأتهم برؤية التمديد.
بمناسبة الحديث عن التمديد لقيادة هيئة مكافحة الفساد التي أعمل فيها، ينتقدني زملاء بسبب دعوتي لانتخاب قيادة جديدة للهيئة، ويرون هذه الدعوة موقفا شخصيا من قيادة الهيئة، ويحذرونني من أي ضرر قد يصيبني في شخصي أو وظيفتي جراء ذلك، وأجدها فرصة هنا للتأكيد على عدم وجود أي موقف شخصي لي في هذا الجانب، وأنني أكن كل تقدير لجميع أعضاء الهيئة الاثني عشر بمن فيهم الدكتور سعد الدين بن طالب الذي غادر الهيئة وصار وزيرا للتجارة في حكومة الوفاق.
وحين أجهر بموقفي ضد التمديد بوجود أعضاء للهيئة، فإنني اعبر عن قناعة باحترام القانون، وأثق أن قيادة الهيئة التي أبلغت رئيس الجمهورية في وقت سابق بانتهاء فترتها القانونية لن تستمع إلى قول سطحي كهذا.
أجدد القول إن ما يحدث من خطوات باتجاه التمديد، هي هاجس ما يزال حاضرا بقوة ضمن معايير الحكم"الصالح" الذي نأمل أن تغادره سلطة وأحزاب المبادرة الخليجية باتجاه الحكم الرشيد.