أحمد الزكري *
أصبح اليمن، كما بات معروفاً، على شفير أزمة غذاء كارثية،
إذ لا يجد نحو 10 ملايين يمني (44 في المئة من السكان) كفايتهم من الطعام. وهذه خلاصة
أعاد تكرارها التقرير الذي أطلقته سبع منظمات إغاثة دولية كبرى هي: الهيئة الطبية الدولية،
الإغاثة الإسلامية، كير، ميرلين، ميرسي كور، أوكسفام، وهيئة إنقاذ الطفولة، شاركت في
"مؤتمر أصدقاء اليمن" الذي نُظِّم في شهر أيار/مايو الفائت في العاصمة السعودية
الرياض. أستعاد التقرير اشارات كانت سجلتها الأمم المتحدة في بعض مناطق البلاد من أن
معدلات سوء التغذية بلغت مستويات مروعة، اذ يعاني ثلث الاطفال من سوء التغذية الحاد.
كل ذلك لا يهم!! ما زال ممثلو بقايا النظام الذي انطلقت ضده
ثورة شعبية، يعملون على استمرار ممارسات رسمية تزيد من الإفقار والفساد، منها مطالباتهم
باعتماد 13 مليار ريال من موازنة الدولة لبعض المشايخ، وهو ما كان سائداً، حين كان
نظام علي عبد الله صالح يمنح مرتبات بمسمى "إعاشة" لبعض المشايخ. وقد وضعت
اللجنة الخاصة بدراسة موازنة الدولة للعام 2012 توصية للحكومة بإعادتها.
تخترق الحكومة اليمنية معارك كثيرة تخاض داخلها. إذ ما يزال
حزب الرئيس المخلوع، "المؤتمر الشعبي العام" مشاركا بنصف المقاعد الوزارية
في "حكومة الوفاق الوطني" التي أخذ نصف مقاعدها الآخر، مع رئاستها، تكتل
"أحزاب اللقاء المشترك" الذي يضم أحزابا اشتراكية وقومية وإسلامية. ويصر
ممثلو "المؤتمر الشعبي العام" في البرلمان على صرف هذه الاعتمادات، ويحاولون
ارخاء الصمت عن اختلالات أخرى، منها عدم وضوح موازنة جهاز الأمن القومي. فهذا الجهاز
يطلب قرابة 4 مليار ريال كموازنة دون أن يقدم أية بيانات، ودون أن تعرف وزارة المالية
وجهة صرف هذه المبالغ، بحجة "السرية".
يقول البيان المالي لمشاريع الموازنات العامة للسنة المالية
2012 المقدم من وزارة المالية إلى البرلمان، إن نسبة البطالة الصريحة سترتفع بين
36% و40% من إجمالي قوة العمل، بعد أن كانت 18.6% حسب مسح الصندوق الاجتماعي عام
2010. وفي حين يعيش نصف سكان اليمن في فقر مدقع، كانت حكومة النظام السابق تدفع ضمانا
اجتماعيا لمليون من المعدمين. ولكن المبالغ المصروفة لهم كانت ضحلة، تتراوح بين ألفي
ريال (تسعة دولارات) وأربعة آلاف (18 دولارا) شهريا. وتنتظر 400 ألف حالة دعما إضافيا،
في الوقت الذي تصل فيه اعتمادات المشايخ إلى مئات الآلاف حسب النائب محمد الحميري من
حزب الاصلاح.
ومن مظاهر الاختلال في سياسة الدولة عبر موازنتها، صرف مائتي
مليون ريال لبناء مسجد في "جامعة الايمان" الخاصة التي تتبع عبد المجيد الزنداني،
أحد علماء الدين. وهي جامعة كثيراً ما جرى تناولها بوصفها تخرِّج "متطرفين دينيين".
فقد كشفت وثيقة حكومية صادرة عن وزارة المالية عن اعتماد هذا المبلغ بواقع %20 من قيمة
عقد مشروع المرحلة الأولى لجامع "جامعة الإيمان". وأصدرت وزارة المالية بياناً
أوضحت فيه أنها صرفت المبلغ المخصص "بناء على مذكّرة من وزارة الأشغال وضمن موازنة
السنة المالية 2011، كسداد متأخرات لشركة "الحداء للمقاولات" منفذة بناء
المسجد بناء على اعتماد من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إثر زيارته لجامعة الإيمان
قبيل الانتخابات الرئاسية 2006.
مثل هذه العطايا كانت تصب في شراء الولاءات أو منح المكافآت
مقابل الولاء. وهي سياسة كانت معتمدة بتوسع من قبل الرئيس المخلوع لداعمي حكمه، ومنهم
عبدالمجيد الزنداني، أحد ابرز حلفائه الذين شدوا أزره بفتاوى دينية في محطات عديدة،
منها حربه عام 1994 ضد شريكه في تحقيق الوحدة اليمنية، "الحزب الاشتراكي اليمني"
الذي حكم ما كان يعرف ب"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" في جنوب اليمن
قبل الوحدة اليمنية التي تحققت عام 1990. وهناك 61 مليار ريال مقابل أغذية وملبوسات
للقوات المسلحة يتم شراؤها عن طريق الأمر المباشر، دون مناقصة، "وهذه مخالفة للدستور
والقانون تحت مبرر السرية" كما يقول النائب نفسه.
ربطت موافقة البرلمان على موازنة الدولة للعام 2012 بتوصية
برلمانية للحكومة باعتماد تلك المليارات مرتبات للمشايخ الذين لعبوا دورا كبيرا في
تخلف البلد وانتهاك حقوق المواطنين، كما تشير إلى ذلك سجلات حقوق الإنسان. لكن رئيس
مجلس الوزراء، محمد سالم باسندوة، أعلن "أن المبلغ المالي المقدر بـ13 مليار ريال
التي كان يدفعها النظام السابق لشراء الذمم أو كسب الولاء... غير معتمدة". وخاطب
باسندوة الآلاف من شباب الثورة في ساحة الحرية في محافظة تعز قائلا" هذه المبالغ
لن تدفع، لن تدفع!"، الأمر الذي جعله محل سخط من قبل مشايخ، وصل بهم الامر حد
التشكيك بيمنيته، كما بدا من تصريح لشخصية متضررة نشرتها وسائل إعلام تابعة لحزب المؤتمر
الشعبي العام أو موالية له: "على باسندوة أن يهتم بالشؤون الصومالية". والخلاصة
انه صراع ما زال في بدايته، بين نمطين في النظر الى اليمن وهمومها، فأما وطن أو مزرعة.
السفير العربي