Powered By Blogger

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

الكهرباء في اليمن.. استراتيجية الظلام في مواجهة التغيير


أحمد الزكري *
اجتهدت وزارة الكهرباء اليمنية كثيراً في إعداد وإخراج كتاب يرشد المواطنين إلى إجراءات ورسوم توصيل خدمة الكهرباء، وكيفية التعامل مع آثارها السلبية. لكن الكتاب لم يقل لأحد أين هي الكهرباء التي يرشدهم إليها في 225 صفحة أنيقة، بدأت بصورة فخمة لرئيس خلعته ثورة شعبية مستمرة منذ كانون الثاني/ يناير 2011.
دخلت الكهرباء جنوب اليمن لأول مرة العام 1926، حين أنشأت القوات البريطانية - التي احتلت الجنوب حينها- المحطة البخارية (أ) في منطقة حجيف بمدينة المعلا بطاقة 3 ميغاوات، لتلبية حاجات المستعمر من الطاقة الكهربائية في مدينة عدن. في حين دخلت مدينة تعز وسط اليمن العام 1955 بمولدات صغيرة بقدرة 600 KVA، جُـلبت لإنارة قصر الإمام حاكم شمال اليمن حينها.

وبعد انقضاء 86 عاماً على دخول الكهرباء اليمن، لا تتجاوز طاقتها التوليدية اليوم 850 ميغاوات، في حين يمتلك الصومال الذي أنهكته الحروب الأهلية على مدى 20 عاماً 1200 ميغاوات. وبذلك تعتبر اليمن الأقل بين الدول العربية في توفير خدمة الكهرباء للسكان، إذ لم تستطع الحكومة تقديم خدمة الكهرباء لأكثر من 41,7 في المئة من إجمالي السكان، بنسبة 22,2 في المئة من السكان في الريف مقابل 87,4 في المئة في المناطق الحضرية. ومن غرائب الكهرباء في اليمن أن مواطني محافظة مأرب - التي تحتضن المحطة الغازية الوحيدة - دون كهرباء، حيث وصلت الكهرباء لأول مرة إلى مديرتي "مدغل" و"رغوان" في المحافظة صباح الخامس عشر من آب/ أغسطس 2012 عبر مولدات كهربائية.

فساد
بدا أن الإهمال والترقيع والفساد يمثلون الإستراتيجية الأثيرة لدى الحكومات المتعاقبة التي استأثر نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بأطول فترة لها (33 عاماً)، قبل توحيد اليمن العام 1990 وبعده. فقد استحوذت عملية شراء طاقة كهربائية إسعافية، وإضافة محطات محدودة القدرة تعمل بالوقود الثقيل (المازوت) وبالديزل على نصيب الأسد في معالجات مشكلة الطاقة على مدى عقود. وعلى سبيل المثال، اشترت الحكومة طاقة كهربائية بـ 101 مليون و644 ألف دولار من 2006 إلى 2009. وتزامن ذلك مع انتهاء العمر الافتراضي لخمس وحدات توليدية من ست وحدات تعمل بها محطة "الحسوة" في محافظة عدن جنوبي اليمن، التي مر عليها 26 عاماً، إضافة إلى انتهاء العمر الافتراضي لثلاث وحدات من خمس وحدات توليدية تعمل بها محطة "رأس كثيب" التي أنشئت في تشرين الاول/أكتوبر 1970 في محافظة الحديدة غربي اليمن.

استراتيجية
كانت حكومات المؤتمر الشعبي العام المتعاقبة تبرر عدم إنجاز مشاريع استراتيجية خاصة في مجال الكهرباء بعدم توفر التمويل، وبفقر البلد. وكانت تلهث دوماً وراء القروض والمساعدات على أساس دعم التنمية. ولكنه ثبت أن لا شيء ينمو سوى الفساد والإثراء غير المشروع من موارد البلد ومن القروض المستلمة باسم مشاريع تنموية. وكمثال، هناك محطة مأرب الغازية، وهي المشروع المفترض أنه الاستراتيجي الوحيد في مجال الكهرباء. فقد أعلنت الحكومة عن مناقصة المحطة العام 2003، ووقعت عقد إنشائها في 2005، على أساس أن تدخل الخدمة العام 2006، لكنها دخلت الخدمة فعلياً العام 2010، حيث ارتبط إنشاؤها بسوء إدارة وفساد كبّد اليمن 300 مليون دولار خلال ثلاثة أعوام، بحجم مبلغ إنشائها بقروض خارجية. وهي مبالغ نتجت عن شراء الطاقة وعن ثمن المازوت لمحطات بديلة جراء تأخر إنجاز المحطة عن موعدها. فقد بدا في ممارسات علنية وثقتها تقارير حكومية وبرلمانية، أن لجنة المناقصات أرست مشروع محطات التحويل على شركة إيرانية ليست ذات كفاءة مالية وفنية في تنفيذ المحطات، وأن رشاوى وعمولات دفعت لهذا الغرض. وكان بإمكان الحكومة أن تشتري بـ 300 مليون دولار محطة متكاملة، وفق ما أكده نواب لوزير الكهرباء والطاقة في جلسة برلمانية خصصت لمناقشة تعثر مشروع المحطة الغازية.
إلى جانب ذلك يستنزف قطاع الكهرباء ما نسبته 60 في المئة من إجمالي الدعم الذي تقدمه الدولة للمشتقات النفطية، البالغ أكثر من مليار دولار سنوياً حسب وزارة الكهرباء، ويزداد العبء المالي بسبب عدم استخدام الغاز الطبيعي المتوفّر في البلاد. فلو أن الحكومة استخدمت الغاز في توليد الكهرباء لأمكنها توفير تلك المبالغ الطائلة، ومبالغ أخرى جراء خفض تكلفة التوليد إلى قرابة أربعة ريالات للكيلووات الواحد، مقارنة بنحو أربعين ريالاً للكيلووات المولد بواسطة وقود الديزل والمازوت، في الوقت الذي لا يتجاوز متوسط سعر بيع الكيلووات من الكهرباء للمستهلك الـ 12 ريال. وكانت الحكومة في عهد الرئيس المخلوع قد خصصت 9,7 تريليون قدم مكعب من إجمالي 11,8 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المسال للتصدير، بدلاً من استخدامه محلياً في قطاع الطاقة الكهربائية. والأسوأ أن هذا القدر من الغاز بيع بصفقة فساد مثلت فضيحة كبرى. فقد باعته حكومة المؤتمر الشعبي العام لشركة كورية بواقع 3,12 دولار لكل مليون وحدة حرارية، لمدة عشرين سنة، في حين اشترت الشركة ذاتها وفي التاريخ نفسه المادة إياها من إندونيسيا بـ 12 دولاراً! ما يعني أن الغاز اليمني بيع بسعر يقل بنسبة 80 في المئة عن السعر العالمي.

الحكومة المشتركة
نتج عن الثورة الشعبية في اليمن تشكيل "حكومة وفاق وطني" مناصفة بين حزب الرئيس المخلوع وتكتل أحزاب "اللقاء المشترك" المكونة من أحزاب يسارية وقومية وإسلامية، ضمن معالجات تضمنتها التسوية السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المدعومة بقرار أممي. ويبدو وضع هذه الحكومة أسوأ من حال الحكومات السابقة، المستمر منذ عقود في مجال الكهرباء كما في سواها، حيث نسمع جعجعة ولا نرى كهرباء. فالحلول الترقيعية ما تزال سيدة المشهد، من خلال الاستمرار في شراء الطاقة، إضافة إلى وعود بمشاريع تذكرنا بالخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2006 - 2010) التي استهدفت في ظل الحكم الفردي لنظام الرئيس المخلوع زيادة الطاقة الكهربائية المركبة إلى 2000 ميغاوات مع نهاية العام 2010، ليحل العام المذكور ويمضي بمزيد من انقطاع الكهرباء.

ثمن سوء الإدارة
يبدو جلياً سوء الإدارة في غير موضع في وزارة الكهرباء، كما لدى سواها في إطار الحكومة، من ذلك ما كشفه مؤخراً وزير الكهرباء والطاقة أمام مجلس النواب عن مديونية مسؤولين كبار، بينهم وزراء ونواب وشخصيات قبلية واجتماعية، لوزارة الكهرباء تصل إلى 63 مليار ريال، (293 مليون دولار)، إضافة إلى ديون على الرئيس المخلوع. كما ذكر مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء في مؤتمر صحافي أن المديونية زادت خلال العام الماضي من 13 مليار ريال إلى 30 مليار ريال (139,5 مليون دولار) بسبب عزوف المواطنين عن سداد الفواتير.

نظام يحترف التخريب
يستمرّ نظام الرئيس المخلوع، الممثل في نصف الحكومة، في تدمير ما هو قائم، ضمن خطته لمواجهة التغيير في جبهات عديدة. فقد تزايدت وتيرة تفجير محطات خطوط نقل الكهرباء، في أعقاب نجاح حكومة الوفاق الوطني في إعادة تشغيل محطة مأرب الغازية التي تزوّد العاصمة صنعاء وبقية محافظات اليمن بـ341 ميغاوات، بعد انقطاعات مستمرة وصلت في فترات إلى ثماني عشرة ساعة في اليوم والليلة. وبلغت الاعتداءات التي طالت خطوط نقل الطاقة الكهربائية بين مأرب وصنعاء 141 اعتداء منذ 2010. وهي تلحق أضراراً كبيرة بالمعدات والآلات من خلال تقليل عمرها الافتراضي. وقد تجاوزت خسائر الحكومة جراء تلك الاعتداءات 33 مليار ريال (153,5 مليون دولار)، تشمل تكاليف قطع الغيار والإصلاحات والطاقة المنقطعة، حسب مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء... لذا تستمر الثورة الشعبية في البلاد.

 السفير العربي

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

اليمن.. وطن أسود


احمد الزكري*
تعرضت صفية، وهي عاملة نظافة وأم لستة أطفال، لاغتصاب من قبل أربعة أشخاص، ومرت الحادثة دون أن تثير غضبا في المجتمع اليمني لأن الضحية تنتمي لفئة "المهمشين". وتعرض إبراهيم، الذي تخرج من كلية التربية في جامعة صنعاء، للسجن من قبل مشائخ قبليين في محافظة "حجة" بسبب قصة حب مع فتاة بيضاء وسعيه لخطبتها، وسجن لأنه من "المهمشين" أيضا. ثمة حوادث عديدة من هذا النوع تعكس وضعا اجتماعيا مختلا، يذكّر بحالة طبقة "المنبوذين" في الهند.
تسمية "المهمشين" في اليمن تطلق على فئة من ذوي البشرة السمراء مقصية في المجتمع، تقيم في مساكن من الصفيح أو في تجمعات معزولة في المدن والقرى، وتعرف أيضا باسم "الأخدام". وهي الفئة الأشد فقرا حسب تسمية المنظمات المدنية.

نظريا، لا يتضمن الدستور والقوانين المنبثقة عنه تمييزاً ضد المهمشين. لكن التمييز يبدو رسميا بصورة غير مباشرة، من خلال عدم وجود قانون يجرِّم ويحرِّم التمييز ضدهم، مثلما كان الحال في "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" التي حكمها الحزب الاشتراكي قبل تحقيق الوحدة عام 1990. كما يظهر التمييز اجتماعيا ضد هذه الفئة من خلال ممارسات واقعية حصرت المهمشين في ممارسة أعمال يرفضها "البيض" مثل الخرازة (صناعة النعال والاحذية والقِرب الجلدية)، وأعمال النظافة، وقرع الطبول في الأعراس، وغيرها من المهن المحتقرة في نظر غالبية المجتمع. وتظهر أمثال شعبية مدى التمييز المتوارث ضد هذه الفئة منها "من ساير الخادم أصبح نادم"، "وعاء الكلب يُغسل ووعاء الخادم يُكسر"، و"الخادمة حلاوة سيدها".

أصول "المهمشين"
تضاربت التفسيرات عن أصول المهمشين في اليمن، لكن معظمها تعيدهم إلى الأحباش الذين كانوا هنا قبل الإسلام، وشاركوا في حروب فيها. وبغض النظر عن الاصول البعيدة، فهم اليوم مواطنون يمنيون. تنفي الدولة أن يكون لون البشرة (داكنة السمرة)، أو المعايير السلالية سببا لتهميش هذه الفئة. يقول تقرير لليمن مقدم إلى الأمم المتحدة، عن تنفيذ "اتفاقية مناهضة التمييز العنصري": "مفهوم المهمشين يُستخدم في السنوات الأخيرة في وصف فئة الأخدام". وعلل التقرير هذه التسمية بالإشارة إلى أن المجتمع اليمني عرف عبر تاريخه عددا من الجماعات المهمشة، مشيرا إلى أن "الأرض كانت تمثل أهم الموارد الطبيعية في المجتمع التقليدي، لذلك كانت الجماعات التي تمتلك أرضا وتشارك في إدارة الموارد الطبيعية تمتلك حق المشاركة في اتخاذ القرارات الرئيسية للمجتمع، وكانت تعتبر جماعات رئيسية أو فئات اجتماعية رئيسية، في حين كانت الفئات التي لا تمتلك الأرض الزراعية يختص أفرادها في المهن والخدمات الهامشية، ومن هنا جاء وصف الفئات والجماعات بالأخدام".
لا إحصائية رسمية عن تعداد هذه الفئة التي تتوزع في مختلف المحافظات، لكن اجتهادات عديدة في كتابات وأوراق عمل تقدم في فعاليات مدنية تذكر أن عدد المهشمين في اليمن يتراوح بين ثمانمئة الف ومليون نسمة، من إجمالي 25 مليون نسمة هم سكان البلاد.

إحصائيات
وسَّعت السياسات الحكومية طوال عقود رقعة الفقر، ونمّت طبقة مستغِلة استأثرت بالسلطة والثروة، حتى وصل الحال إلى وجود نحو 10 ملايين يمني (أي 44 في المئة من السكان) لا يجدون كفايتهم من الطعام، حسب التقرير الإنساني الذي أطلقته سبع منظمات إغاثة شاركت في مؤتمر أصدقاء اليمن الذي نظم في شهر ايار/مايو الفائت في العاصمة السعودية الرياض. وأفادت دراسة حديثة عن "التمييز ضد الأطفال وعلاقته بالوضع الاجتماعي والثقافي في اليمن"، أن أطفال الأسر الفقيرة، وأطفال ما يعرف بطبقة "الأخدام"، والفتيات، هم أكثر المعرضين للتمييز. شملت الدراسة التي نفذها مركز "دال" للدراسات والأنشطة الثقافية والاجتماعية بالتعاون مع منظمة "إنقاذ الطفولة" السويدية، 12 محافظة، وحددت 13 فئة من الأطفال الذين يعانون من التمييز، كما حددت 45 نوعاً منه، أبرزها التمييز بين الجنسين والاستغلال الجنسي. وقامت منظمة "سول" للتنمية بدراسة عن "الوضع التعليمي للفئات المهمشة" في خمس مناطق سكنية، اثنتان منها ريفية وثلاث مدنية، يقطنها مهمشون من "أصول أفريقية" حسب التصنيف المتعارف عليه، وآخرون معدمون من خارج هذه الفئة.
ومن نتائج الدراسة ملاحظة تفاعل كل جماعة من الجماعات المهمشة مع جيرانها المهمشين بنسبة تسعين في المئة، واندماجهم مع السكان كلياً في محافظتي عدن والحُديدة، باستثناء التزاوج، خلافا للعاصمة صنعاء التي يرفض سكانها الاختلاط بهم. وأوضحت الدراسة أن أعلى نسبة للتسرب من المدرسة في التعليم الأساسي والثانوي، وصلت الى 95 في المئة من إجمالي التعداد السكاني للفئات المدروسة والبالغ 34.604 نسمة، مبينة أن الأسباب تكمن في ارتفاع مصاريف الدراسة، وعدم وجود المدارس، وعدم رغبة الأطفال في الدراسة، وهي نتائج تؤكد غياب الاهتمام الكافي بهذه الفئات، وأثر العامل الاقتصادي على حياتهم.
وكان "مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان" (HRITC) قد نفذ دراسة عام 2003 عن "توطين الفئات المهمشة" استهدفت شريحة منهم (59 أسرة) انتقلت من مساكن العشش إلى بيت حضري (هو "مجمع الأمل" في محافظة تعز). وبينت الدراسة أن 94 في المئة من ربات الأسر أميات، و43 في المئة من أطفال أسر العينة غير ملتحقين بالمدارس، و58 في المئة منهم يعملون في مجال النظافة، و11 في المئة في صناعة الاحذية، و65 في المئة من ربات الأسر يعملن في مجال النظافة أيضا. وأوضحت الدراسة أن أعلى نسبة دخل لربة الأسرة يبلغ 7-8 آلاف ريال شهريا (37 دولارا)، وأن المشكلة التي تحتل المرتبة الأولى في تعامل هذه الفئة مع المجتمع تكمن في المعاملة السيئة والموقع الدوني في المجتمع. ورأت فئة من العينة أن "عدم موافقة الجهات الرسمية المعنية على إمدادهم بالخدمات الضرورية يأتي من قبيل احتقار تلك الجهات لهذه الفئة وعدم اعتبارهم بشرا لهم حاجات وضروريات مثل جميع المواطنين في المجتمع". وأكدت الدراسة أن أبناء الفئات المهمشة يواجهون رفضا من زملائهم في المدرسة، داعية الأحزاب السياسية إلى تضمين هذه الفئات في برامجها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وألا يقتصر الاهتمام بالحصول على أصواتهم في الانتخابات.

خطوة باتجاه الآتي
يسعى مهمشون إلى إيجاد مكانهم في المجتمع، فقد شارك عدد منهم في الثورة السلمية التي انطلقت في كانون الثاني/يناير 2011، وأطاحت رأس النظام. وفي مطلع آذار/مارس 2011، انضوت خمسون جمعية تُعنى بشؤون المهمشين في إطار "الاتحاد الوطني للفئات المهمشة"، وأعلنت عن "وثيقة الإجماع الوطني للفئات المهمشة في اليمن" مطالبة بـ"وضع استراتيجية وطنية لتحسين ظروف فئة المهمشين أو إدراج احتياجاتهم التنموية ضمن الخطط الخمسية للدولة، على أساس أنها احتياجات خاصة مختلفة باختلاف ظروف هذه الفئة".
وبفضل الثورة الشعبية السلمية المستمرة، بدأ المهمشون يمارسون حقهم في الإضراب، الذي تكرر في فترات متقطعة طوال ستة شهور، تحولت خلاله مدن يمنية بأكملها إلى كومة قمامة. ونتج من هذا الإضراب حصول 3000 عامل على حق التثبيت الوظيفي، بعد عمل بالأجر اليومي تجاوز عقدين من الزمن في مجال "النظافة"، كما حصلوا على وعود حكومية برفع الحد الأدنى لأجورهم من 21 ألف ريال (100 دولار أميركي) شهريا، إلى 31 ألفاً (أي 150 دولارا أميركيا).
ويعمل في قطاع النظافة في اليمن نحو 42 ألفاً من المهمشين، ذكورا وإناثا، أغلبهم متعاقدون وينتظرون تثبيتهم رسميا، حسب أحد أبناء هذه الفئة، يحيى علي، رئيس "نقابة عمال وموظفي البلديات والإسكان" في محافظة صنعاء، الذي يؤكد عزمهم الاستمرار في الاحتجاجات حتى تثبيت العاملين كافة.
ورغم خشونة الاغلبية، فقد هزت أوضاع هذه الفئة مشاعر بعض الادباء، فتناول الروائي علي المقري حالهم في روايته "طعم أسود.. رائحة سوداء"... حقاً!

 السفير العربي

تمايز طبقي بنكهة رمضانية في اليمن


أحمد الزكري *

لرمضان في اليمن سمة خاصة من حيث أنواع الأطعمة، والحنين إلى التدين، وبروز التكافل الاجتماعي، غير أن التمايز الطبقي يبقى سائدا في وجبات تأخذ التسمية نفسها.
اجتماعيا، لا يزال كثير من اليمنيين يحافظون على عادات متوارثة إذ يحملون إفطارهم في رمضان، ويتوجهون إلى المسجد قبل أذان المغرب، ويتجمعون هناك في حلقات، ويخلطون الأطعمة للاشتراك في وجبة الإفطار السريعة، ويدعون إليها الموجودين في المسجد. ويشمل الفطور التمر، و"الحامضة" وهي الحلْبة (وهي نبتة) بالخل، والسلطة و"المفحوسة" أو ما تسمى "الفتوت" المصنوعة من الخبز الجاف الطازج مخلوطا بالسمن والحبة السوداء والعسل.

"الشربة" و"الشفوت" وجبتان لا تخلو منهما مائدة رمضانية في كل اليمن، غير أن مضمون الشربة كسواها من وجبات أخرى، يُبرز التمايز الطبقي.
تصنع الشفوت من رقائق تسمى "اللّحوح" وهو خبز طري من دقيق القمح أو الذرة حيث توضع العجينة على وعاء فخاري أو معدني لتطبخ على نار هادئة، ثم تخلط مع الحليب الطبيعي، أو الرائب (الحقين). أما الشربة فتصنع من القمح المقشور بعد خلطه بالحليب والسكر لدى الفئات الفقيرة، أو باللحم والدجاج لدى الأسر الغنية.
لا تزال عادة تبادل الأواني بأطعمتها المتعددة ظاهرة بين الأسر المتجاورة في المدن، إضافة إلى تقديم متوسطي الدخول أطعمة لجيرانهم الأقل دخلا.
في صنعاء ومحافظات أخرى شمالية تبدو "السلتة" وجبة لا غنى عنها في رمضان كما هي رائجة في سواه. وتتكون من الأرز، والخضار المهروسة، والحلْبة، واللحم المفروم، وتفضل طباختها في إناء من الفخار لاحتفاظه بدرجة الحرارة أثناء الأكل. غير أن اللحمة تغيب عن السلتة في معظم وجبات الفقراء. وهناك "بنت الصحن" التي تصنع من عجينة الدقيق المخلوطة بالسمن والبيض والحبة السوداء، وترق على هيئة أقراص رقيقة جدا، ثم توضع في الفرن حتى تنضج وبعدها يضاف إليها العسل من أنواع جيدة لدى الفئات الغنية (يصل سعر الكيلوغرام منه إلى 12 الف ريال أو 60 دولارا)، في حين تستخدم فئات فقيرة عسلا تجاريا يباع الكيلو منه بستمئة ريال (دولارين تقريبا).
المحلبية (بودرة الكاسترد) هي الأخرى وجبة خفيفة لا يتناولها معظم اليمينين باستمرار إلا في رمضان، وكذلك "السنبوسة"، و"الباجية" (وهي الطعمية أو الفلافل). وفي محافظات ساحلية مثل حضرموت والحُديدة، يظل الأرز والسمك وجبة أساسية في رمضان كما في سواه.
في الأرياف التي يقطنها 83% من نسبة الفقراء التي تجاوزت 43% من السكان، تحضر في مائدة رمضان "العصيد" التي تصنع من دقيق القمح أو الذرة، بخلطه وتحريكه في الماء الساخن، وتؤكل ساخنة مع الحليب والسمن البلدي، يضاف إليها العسل لدى الفئات الغنية في بعض المدن.
التجمع في بيت العائلة لتناول الإفطار والعشاء في رمضان، عادة بدأت تضمحل مع استقلال الأبناء في مساكن خاصة بهم بعد الزواج، تماما كتراجع تقسيم الفطور والعشاء إلى فترتين، خاصة في المدن.
تظهر معظم الحلويات في موائد الميسورين، وهي مزيج من الحلويات اليمنية والشامية والتركية والهندية كالرواني والكنافة والبقلاوة والبسبوسة والشعوبية. وقد انتقلت كثير منها إبّان فترة الحكم العثماني لليمن، أو عبر حركة التنقل والهجرات من الهند وإليها في فترة ازدهار التجارة في عدن منتصف القرن الماضي. أما أشهر المشروبات الرمضانية فهي الشعير والزبيب المنقع، وعصير البرتقال، ومعظمها تُشترى في المدن من محال متخصصة في صناعتها.
من ليس لديهم مساكن عائلية أو أقارب في المدن، يتوزعون بين المساجد التي تقيم فيها جمعيات خيرية موائد إفطار، وبين المطاعم التي تقدم إفطارا يشمل الشربة والشفوت والمحلبية، وعشاء يشمل الأرز وسواه من مأكولات مألوفة في غير رمضان.

 السفير العربي